القطاع الصحي في لبنان.. "الرقص" على حافة الهاوية
عقب 3 سنوات من الانهيار
في حالة من الترنح بين الصمود والانهيار، تقف الأوضاع الصحية في لبنان على حافة الهاوية، لتنذر بتداعيات خطيرة وغير مسبوقة على صحة المواطنين.
ومنذ أواخر عام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى تدهور مالي كبير، فضلا عن ارتفاع كبير في معدلات الفقر والبطالة.
وبدأت ملامح أزمة نقص الأدوية في السوق المحلية تبرز خلال العامين الماضيين، بسبب عدم توفر الدولار اللازم لاستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية.
وبالتزامن مع تفشي فيروس كورونا، انهار نظام الرعاية الصحية، وسط أزمات اقتصادية طاحنة أدت إلى نزوح جماعي لآلاف الأطباء والممرضين.
وأجبرت العديد من المستشفيات على الإغلاق أو تعطيل بعض أقسامها، ما شكل مزيداً من الضغوط على القطاع الصحي الحكومي الذي تأثر تباعا بالأوضاع الاقتصادية العالمية المأزومة.
ودفع الانھیار الاقتصادي الكارثي المتشعب في لبنان، الذي ترافق مع انتشار جائحة كورونا وتأثیر تفجیر مرفأ بیروت في أغسطس 2020، عائلات كثیرة إلى الحضیض مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
صحة الأطفال
وفي إبريل 2022، قالت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إيتي هيغينز: "مع وصول النظام الصحي في لبنان حدّ الانهيار بسبب الأزمات العديدة التي ضربته في الصميم، لم يعد بإمكان كثير من العائلات الانتقال حتى إلى المرافق الصحية للحصول على الرعاية الصحّية الأولية لأطفالها في ظلّ كفاح العديد من العاملين في القطاع الصحي، الذين يتفانون في مهنتهم، للحفاظ على حسن توفير المتطلبات الصحية خلال الأزمة".
وأضافت هيغينز، في تقرير بعنوان "تفاقم الأزمة الصحية للأطفال في لبنان" أنه في ظل معاناة نحو 80 بالمئة من السكان في لبنان من الفقر، لم يعد الكثيرون قادرين على توفير الطعام والتغذية اللذين يحتاجهما أطفالهم للبقاء على قيد الحياة والازدهار".
وتابعت: "تأزّم الوضع الاقتصادي العالمي -وما نتج عنه من ارتفاع في الأسعار وزيادة في التضخم- يؤدي إلى تفاقم الأزمة الكارثية في لبنان، وبالتالي ازدياد التداعيات الخطيرة على صحة الأطفال".
وأشار التقرير الأممي إلى أن الانخفاض الحاد في معدلات التطعيم الروتينية، ما ترك الأطفال عرضة للأمراض المميتة المحتملة مثل الحصبة وعدوى الدفتيريا والالتهاب الرئوي.
وانخفض التطعيم الروتيني للأطفال بنسبة 31 بالمئة، ما نتج عن وجود عدد كبير من الأطفال غير المحصّنين والمعرضين للأمراض وآثارها الخطيرة.
قطاع الرعاية
وفي أكتوبر 2020، نشرت مبادرة الإصلاح العربي (غير حكومية، مقرها لبنان) تقريرا بعنوان "إنقاذ قطاع الرعاية الصحّيّة اللبناني المتعثّر: إغاثة فوريّة مع التخطيط للإصلاحات"، قال إن "للانهيار الاقتصادي في لبنان تأثيرا معوقا لكل قطاعات الرعاية الصحّيّة، وجاء تفشّي فيروس كورونا ليزيد من تفاقم الأزمة".
وذكر التقرير أنه رغم خضوع أسعار الأدوية لهياكل التسعير التي وضعتها وزارة الصحّة اللبنانية، لا تزال هناك أدوية عديدة لا يستطيع المرضى ذوو الدخل المنخفض تحمَّل تكلفتها.
ووفقاً لموقع وزارة الصحة، تمتلك المستشفيات الحكومية 18 بالمئة من إجماليّ عدد الأسرة في لبنان، بينما تُستخدم العيادات الخاصّة معظم الوقت لتقديم الخدمات الخارجية.
إضافةً إلى ذلك، هناك شبكة موسّعة من مراكز خدمات الرعاية الصحية الأولية والمستوصفات تديرها وزارة الصحة والمنظّمات الخيرية لتقديم الخدمات للشرائح السكانية الأقل دخلاً وغير القادرة على تحمُّل تكاليف الرعاية المُقدَّمة في العيادات الخارجيّة الخاصّة.
وتسعى الحكومة اللبنانية إلى تعزيز جودة الرعاية المقدمة من خلال ضمان قدرة هذه المراكز على تقديم مجموعة من الخدمات والمنتجات الصحّيّة الأساسيّة المدعومة ماليّاً للجميع، من خلال إدخال نظام اعتماد يضع معايير الجودة ويحثّ على التحسين المستمرّ لهذه المراكز لتنفيذها.
انقطاع الدواء
وبحسب موقع "إندبندنت"، في تقرير نشر في مايو 2022، فإنه في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية يشكو المرضى من انقطاع الدواء، لذلك فإن حياة كثيرين من المرضى أصبحت على حافة الخطر بسبب عدم انتظام الحصول على الجرعات والعلاج.
وباتت علامات الاستفهام لا تقف عند حد إيجاد الدواء في الصيدليات، إنما أصبح الخوف من عدم وجود علبة إضافية يدفع المرضى إلى تقنين جرعات الدواء بصورة ذاتية من دون استشارة الطبيب.
وبحسب التقرير "لم يصبح هذا المشهد استثنائياً، وإنما يتكرر لدى كثيرين من اللبنانيين، إذ وصل البعض إلى حد الامتناع عن أخذ الدواء، لأن فاتورة الدواء تشكل أضعافاً مضاعفة لدخل الأسرة بعد رفع الدعم عنها".
وتزداد المعاناة مع مرضى السرطان، فهم محرومون من بعض الجرعات الأساسية بسبب عدم تأمين الاعتمادات الكافية لتأمين الأدوية التي تتعهد الدولة اللبنانية بتأمينها للمرضى منذ سنوات.
استغاثة المستشفيات
وقبل نحو عام، أطلق سليمان، هارون نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، استغاثة بشأن "موت اللبنانيين في منازلهم بسبب عدم القدرة في الحصول على الدواء والاستشفاء".
وقال هارون آنذاك: "هناك هجرة كبيرة بين الطواقم الصحية والتمريض، ما أدى إلى تعثر الكثير من المستشفيات عن القيام بمهامها".
وأكد هارون أن مستشفيات عدة تتجه إلى الإقفال التام، وبعض منها بدأ بإقفال عدد من الأقسام والطوابق، وصرف الأطقم العاملة، وصولاً إلى الاستسلام.
كما حذّر من أن معاناة هذا القطاع تتعاظم، كما أن الحلول ما زالت بعيدة المنال، والمشكلة أكبر من إلهاء المواطنين بارتفاع وانخفاض سعر الدولار.
اعتراف رسمي
بدوره، قال مدير العناية الطبية في وزارة الصحة اللبنانية جوزيف حلو، في تصريحات صحفية، إن "القطاع الصحي في خطر كبير، لما يمثله من انعكاس لواقع البلاد اقتصادياً ومالياً".
وأوضح حلو أن "الدولة تلتزم بتسعيرة الدولار مقابل 1500 ليرة، في وقت تسعّر الخدمات بدولار السوق السوداء، ما يضطر الجهات الرسمية إلى التزام التسعيرة القديمة التي لا تراعي التغييرات الكبيرة في قيمة الخدمات وسعر الدولار".
وتابع: "هذا الفارق يتحمله المواطن المريض، إلى جانب التأخير في دفع المستحقات المالية للمستشفيات والأطباء، ما أدى إلى هجرة الطواقم الطبية والتمريض".
وضرب حلو مثالاً على تأثير سعر صرف الدولار على القدرة الاستشفائية، قائلا: "وزارة الصحة تساعد بـ13 مليون ليرة كل من يخضع لعملية القلب المفتوح (في حال لم يكن خاضعاً لأي جهة ضامنة)، وهذا المبلغ كان يساوي نحو 8600 دولار أي الجزء الأكبر من كلفة العملية".
وأضاف: "مع وصول الدولار إلى أسعار تتراوح بين 28 و38 ألف ليرة، باتت مساهمة الدولة ضئيلة جداً، ما يضطر المريض إلى تحمل أعباء هائلة مقارنة بدخله المتواضع، وحد أدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة لبنانية. (نحو 25 دولاراً بالسوق السوداء)".
وتطرق مدير العناية الطبية في وزارة الصحة اللبنانية إلى مشكلة الأمراض المزمنة، وتحديداً مرضى غسيل الكلى والسرطان.
وأكد أن "كل تجهيزات غسيل الكلى والأدوات ما زالت مدعومة، ورفعت تعرفة الجلسة الواحدة، وبالتالي فإن هذه الشريحة من المرضى ما زالت تحظى بالتغطية والدعم إلى حد كبير مقارنة ببقية المرضى".
وتابع: "أما بالنسبة لمرضى السرطان، ففي السابق، كان يحصل المريض على كامل الأدوية مجاناً، أما حالياً، فقد تأثرت الأدوية بتضاؤل قيمة الموازنة، وتُعطى الأولوية للأدوية الأكثر حاجة وضرورة".
وبقيت الليرة اللبنانية من أكثر العملات العربية استقرارا وقوة رغم الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1975 و1990.
غير أن تراكم جبال الديون واستنزاف الاحتياطيات من العملات الصعبة وتبعات جائحة كورونا أدت إلى مزيد من العجز في موازنة الدولة وإلى ارتفاع الأسعار بشكل أفقد العملة اللبنانية قيمتها الشرائية بشكل غير مسبوق.